تداعي فن البوب العربي

يتغير تعريف ومعنى موسيقى البوب باستمرار حسب تطورها في مرور الوقت كما يعرفها الكاتب الموسيقي بيل لامب بأنها «الموسيقى التي تتماشى بشكل أكبر مع أذواق واهتمامات الطبقة المتوسطة المتحضرة منذ الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر» وشاع استخدام مصطلح «أغنية البوب» لأول مرة في عام 1926م، بمعنى قطعة موسيقية لها جاذبية شعبية.

ويمكننا نحن أن نستعمل التعريف نفسه لوصف البوب العربي كونه ينطبق عليه الوصف وتأثره الواضح في البوب الغربي من شتى النواحي بدء بزمن الأغنية واستخدام الِآلات الوترية الغربية إلى مزج الألوان الموسيقية المختلفة وإدخال لغات متعددة في الأغنية المفردة. 

غير أن فترة انتشار البوب تختلف في العالم العربي ومن الصعب تحديد تاريخ دقيق لبدايته الفعلية ولكن يمكننا القول أن الشرارة الأولى ظهرت مع أم كلثوم في غضون 1920-1950 م أغانيها أخذت الطابع التقليدي من ناحية الكلمات والألحان وطول زمن الأغنية…….

1950-1970م 

بدأ البوب العربي بالظهور في هذه الفترة، وبدأت ترتسم ملامحه وأشكاله المحددة رغم تأثره بالنمط التقليدي السابق إلا أنه صار يتخذ شكلًا مغايرا ويمكن القول أن هذه الاختلافات كانت في قصر زمن الأغنية فصارت تتراوح بين خمس دقائق إلى عشرون دقيقة واعتلاء وظهور أسماء فنانين كبار كان لهم اتجاهات متغايرة مثل فيروز وعبد الحليم حافظ وداليدا وغيرهم من الفنانين.  

1970- 1990 

في هذه الفترة تأثرت الساحة الفنية بوفاة أم كلثوم التي كانت تمثل النمط التقليدي للأغنية العربية لتتغير بذلك شكل الاغنية سريعا ويتخذ النمط الغربي خطا جديدا يسير على أثره ليظهر البوب العربي أكثر فأكثر ويتميز بغزارة الإنتاج وسهولة إصدار الأغاني ويكتسح الإصدارات الفنية ويمر في تحولات ومراحل، غير أننا لا نستطيع حصرها ضمن نطاق زمني معين، بل بعدة فنانين وبأعمال قدموها غيرت شكل اللعبة, على سبيل المثال: أعمال فيروز الغنائية التي قدمتها ضمن المسرح, وصباح في الأغاني المقتطعة من الأفلام, وأغاني ماجدة الرومي. 

1990- الألفية 

بداية هذه المرحلة كانت في ظهور أغنية “نور العين” لعمرو دياب، التي حققت انتشارا كبيرا، ليستمر بعدها في تكرار نفس اللون في بقية أعماله الأولى، ويتأثر فيه بقية الفنانين الآخرين ليبقى هذا اللون ظاهرًا على ما سيأتي من أعمال. في الجانب الآخر نشهد حضور الشاب خالد بأغاني ضاربة تحمل الإيقاع السريع باللغة العربية والفرنسية معًا مثل “دي دي” و “عبد القادر” التي غناها مع رشيد طه وفضيل. 

ومن ثم بدأت بالانتشار الأقراص الموسيقية CD وظهور المقاطع المصورة للأغاني على القنوات التلفزيونية واحتكار شركة روتانا للعقود بينها وبين الفنانين والمنافسة مع قنوات أخرى: ميلودي ومزيكا وغيرها لتنتج المزيد من الأغاني. وعلى أثر ذلك بزغ نجوم جدد كالفنانين الذين ظهروا في استديو الفن ومن تبناهم الملحنين والمنتجين أو شركة الإنتاج. لتتشكل حركة فنية متسارعة لم يسبق لها مثيل. ويمكن أن نعزي الأسباب في نجاحها وتسابق المغمورين لها آنذاك وانجذابهم لها كونها أصبحت أكثر ربحية  لكافة الأطراف المعنية ولا تلتزم بالمحافظة والأصالة من ناحية الألحان والكلمات، كما كانت في السابق…….

الألفية– حتى وقتنا الحاضر

مرحلة دخول الأنترنت وإحداث تغيير متسارع لما كانت عليه الأغنية . حتى غدت الأغنية المفردة “السنقل” أكثر رواجا من الألبوم. ومثلما نجح هذا المجال وجذب الأنظار إليه وازدهر خاصة في أوائل الألفية، وتضاءل الإنتاج فيه لاعتزال بعض الفنانين وانقطاعهم عن إصدار الأغاني. و نشوء الخلافات بين شركات الإنتاج والفنان نفسه حول العقود التي تحتكرها, اقتصرت الأغنية تدريجيا بمرور الزمن على أسماء محددة واصلت مشوارها الفني حتى هذه اللحظة, ليشهد البوب العربي بعد ذلك تنوعا في ألوانه الجديدة مثل الأغنية المغربية وعودتها للمشهد الفني وكذلك الأغنية العراقية التي لم يكن لها حضورا في السابق. لتتخطى جميع التوقعات وتحطم الأرقام القياسية في أعداد المشاهدات. هذا ما يجعلنا نتساءل هل الأغنية يقاس نجاحها في انتشارها أم بقائها مع مرور الزمن صامدة وتصل لأجيال وأجيال؟ وهل تلك الأغاني كانت جيدة حقا أم لأننا في حالة حنين لذاك الزمان؟



أضف تعليق